فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}.
طوّل الأخباريون في قصة أيوب، وكان أيوب روميًّا من ولد إسحاق بن يعقوب، استنبأه الله وبسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله، وكان له سبع بنين وسبع بنات، وله أصناف البهائم وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد، لكل عبد امرأة وولد ونخيل، فابتلاه الله بذهاب ولده انهدم عليهم البيت فهلكوا وبذهاب ماله وبالمرض في بدنه ثمان عشرة سنة.
وقيل دون ذلك فقالت له امرأته يوما لو دعوت الله فقال لها: كم كانت مدة الرخاء؟ فقالت: ثمانين سنة، فقال: أنا أستحي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي، فلما كشف الله عنه أحياء ولده ورزقه مثلهم ونوافل منهم.
وروي أن امرأته ولدت بعد ستة وعشرين ابنًا وذكروا كيفية في ذهاب ماله وأهله وتسليط إبليس عليه في ذلك الله أعلم بصحتها.
وقرأ الجمهور {أني} بفتح الهمزة وعيسى بن عمر بكسرها إما على إضمار القول أي قائلًا {أني} وإما على إجراء {نادى} مجرى قال وكسر إني بعدها وهذا الثاني مذهب الكوفيين، والأول مذهب البصريين و{الضُّر} بالفتح الضرر في كل شيء، وبالضم الضرر في النفس من مرض وهزال فرق بين البناءين لافتراق المعنيين، وقد ألطف أيوب في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب ولم يعين الضر الذي مسه.
واختلف المفسرون في ذلك على سبعة عشر قولًا أمثلها أنه نهض ليصلي فلم يقدر على النهوض، فقال: {مسني الضر} إخبارًا عن حالة لا شكوى لبلائه رواه أنس مرفوعًا، والألف واللام في {الضر} للجنس تعم {الضر} في البدن والأهل والمال.
وإيتاء أهله ظاهره أن ما كان له من أهل رده عليه وأحياهم له بأعيانهم، وآتاه مثل أهله مع أهله من الأولاد والأتباع، وذكر أنه جعل له مثلهم عدة في الآخرة.
وانتصب {رحمة} على أنه مفعول من أجله أي لرحمتا إياه {وذكرى} منا بالإحسان لمن عندنا أو {رحمة} منا لأيوب {وذكرى} أي موعظة لغيره من العابدين، ليصبروا كما صبر حتى يثابوا كما أثيب.
وقال أبو موسى الأشعري ومجاهد: كان ذو الكفل عبدًا صالحًا ولم يكن نبيًّا.
وقال الأكثرون: هو نبي فقيل: هو إلياس.
وقيل: زكريا.
وقيل: يوشع، والكفل النصيب والحظ أي ذو الحظ من الله المحدود على الحقيقة.
وقيل: كان له ضعف عمل الأنبياء في زمانه وضعف ثوابهم.
وقيل: في تسميته ذا الكفل أقوال مضطربة لا تصح. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَأَيُّوبَ} الكلام فيه كما مر في قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وسليمان} أي واذكر خبرَ أيوبَ {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى} أي بأني {مَسَّنِىَ الضر} وقرئ بالكسر على إضمار القولِ أو تضمينِ النداء معناهـ. والضرُّ شائع في كل ضررٍ وبالضم خاص بما في النفس من مرض وهُزال ونحوهما {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين} وصفه تعالى بغاية الرحمةِ بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى به عن عرض المطلب لطفًا في السؤال، وكان عليه السلام روميًّا من ولد عيص بن إسحاقَ استنبأه الله تعالى وكثُر أهلُه وماله فابتلاه الله تعالى بهلاك أولادِه بهدم بيت عليهم وذهابِ أمواله والمرضِ في بدنه ثمانيَ عشرةَ سنة، أو ثلاثَ عشرةَ سنة، أو سبعًا وسبعةَ أشهر وسبعة أيام وسبعَ ساعات، روي أن امرأتَه ماخيرَ بنتَ ميشا بنِ يوسفَ عليه السلام أو رحمةَ بنتَ أفرايمَ بنِ يوسف قالت له يوما: لو دعوتَ الله تعالى، فقال: كم كانت مدةُ الرخاء؟ فقالت: ثمانين سنة، فقال: أستحيي من الله تعالى أن أدعوَه وما بلغتْ مدةُ بلائي مدةَ رخائي، وروي أن إبليسَ أتاها على هيئة عظيمة فقال: أنا إله الأرض فعلتُ بزوجك ما فعلت لأنه تركني وعبدَ إله السماء، فلو سجد لي سجدةً لرددتُ عليه وعليك جميعَ ما أخذتُ منكما، وفي رواية: لو سجدتِ لي سجدةً لرَجعتُ المالَ والولد وعافيتُ زوجَك، فرجعت إلى أيوبَ وكان ملْقًى في الَكِناسة لا يقرُب منه أحدٌ فأخبرته بالقصة فقال عليه السلام: كأنك افتُتِنْتِ بقول اللعين لئن عافاني الله عز وجل لأضرِبنّك مائة سَوْط وحرامٌ على أن أذوق بعد هذا شيئًا من طعامك وشرابِك، فطردها فبقيَ طريحًا في الَكِناسة لا يحوم حوله أحدٌ من الناس فعند ذلك خر ساجدًّا فقال: ربّ إني مسّنيَ الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين، فقيل له: ارفعْ رأسك فقد استُجيب لك، اركُضْ برجلك فركض فنبعتْ من تحته عينُ ماء فاغتسل منها فلم يبقَ في ظاهر بدنه دابةٌ إلا سقطتْ ولا جراحةٌ إلا برِئت، ثم ركض مرة أخرى فنبعت عينٌ أخرى فشرب منها فلم يبقَ في جوفه داءٌ إلا خرج وعاد صحيحًا ورجع إليه شبابُه وجمالُه ثم كُسِيَ حلة وذلك قوله تعالى: {فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ} فلما قام جعل يلتفت فلا يرى شيئًا مما كان له من الأهل والمالِ إلا وقد ضاعفه الله تعالى وذلك قوله تعالى: {وَءَاتًيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهمْ مَعْهمْ} وقيل: كان ذلك بأن وُلد له ضِعفُ ما كان، ثم إن امرأتَه قالت في نفسها: هبْ أنه طردني أفأترُكه حتى يموتَ جوعًا وتأكلَه السباع لأرجِعنّ إليه، فلما رجعت ما رأت تلك الَكِناسة ولا تلك الحال وقد تغيرت الأمورُ فجعلت تطوفُ حيث كانت الَكِناسة وتبكي وهابت صاحبَ الحُلة أن تأتيَه وتسألَ عنه، فأرسل إليها أيوبُ ودعاها فقال: ما تريدين يا أمةَ الله؟ فبكت وقالت: أريد ذلك المبتلى الذي كان ملقًى على الَكِناسة، قال لها: ما كان منك؟ فبكت وقالت: بعْلي، قال: أتعرِفينه إذا رأيتِه؟ قالت: وهل يخفى عليّ؟ فتبسم فقال: أنا ذلك فعرفته بضحكه فاعتنقتْه {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وذكرى للعابدين} أي آتيناه ما ذُكر لرحمتنا أيوبَ وتذكرةً لغيره من العابدين ليصبِروا كما صبر فيُثابوا كما أثيب، أو لرحمتنا العابدين الذين من جملتهم أيوبُ وذكْرِنا إياهم بالإحسان وعدمِ نسياننا لهم.
{وإسماعيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل} أي واذكرهم، وذو الكِفل إلياسُ، وقيل: يوشعُ بنُ نون، وقيل: زكريا سُمّي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفُّلٍ منه، أو ضعفِ عمل أنبياءِ زمانه وثوابِه فإن الكفلَ يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضِعْف {كُلٌّ} أي كل واحد من هؤلاء {مّنَ الصابرين} أي على مشاقّ التكاليف وشدائدِ النُّوَب، والجملةُ استئنافٌ وقع جوابًا عن سؤال نشأ من الأمر بذكرهم.
{وأدخلناهم في رَحْمَتِنا} أي في النبوة أو في نعمة الآخرة {إِنَّهُمْ مّنَ الصالحين} أي الكاملين في الصلاح الكاملِ الذي لا يحوم حوله شائبةُ الفساد وهم الأنبياءُ، فإن صلاحَهم معصومٌ من كَدَر الفساد. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَيُّوبَ} الكرم فيه كما مر في قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وسليمان} [الأنبياء: 78] {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى} أي بأني {الإنسان الضر} وقرأ عيسى بن عمر بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين أي قائلًا إني، ومذهب الكوفيين إجراء نادى مجرى قال، والضر بالفتح شائع في كل ضرر وبالضم خاص بما في النفس من مرض وهزال ونحوهما {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين} أي وأنت أعظم رحمة من كل من يتصف بالرحمة في الجملة وإلا فلا راحم في الحقيقة سواه جل شأنه وعلاه، ولا يخفى ما في وصفه تعالى بغاية الرحمة بعدما ذكر نفسه بما يوجبها مكتفيًا بذلك عن عرض الطلب من استمطار سحائب الرحمة على ألطف وجهه.
ويحكى في التلطف في الطلب أن امرأة شكت إلى بعض ولد سعد بن عبادة قلة الفار في بيتها فقال: املؤا بيتها خبزًا وسمنًا ولحمًا، وهو عليه السلام على ما قال ابن جرير: ابن اموص بن رزاح بن عيص بن إسحاق، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام وأن أباه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام فعلى هذا كان قبل موسى عليه السلام، وقال ابن جرير: كان بعد شعيب عليه السلام، وقال ابن أبي خيثمة، كان بعد سليمان عليه السلام.
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال: أول نبي بعث إدريس ثم نوح ثم إبراهيم ثم إسمعيل وإسحق ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ثم صالح ثم شعيب ثم موسى وهرون ثم الياس ثم اليسع ثم يونس ثم أيوب عليهم السلام، وقال ابن إسحاق: الصحيح أنه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبه شيء إلا أن اسم أبيه أموص.
وكان عليه السلام على ما أخرج الحاكم من طريق سمرة عن كعب طويلًا جعد الشعر واسع العينين حسن الخلق قصير العنق عريض الصدر غليظ الساقين والساعدين وكان قد اصطفاه الله تعالى وبسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله فكان له سبعة بنين وسبع بنات وله أصناف البهائم وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد فابتلاه الله تعالى بذهاب ولده بهدم بيت عليهم وبذهاب أمواله وبالمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعًا وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات أو ثلاث سنين، وعمره إذ ذاك سبعون سنة، وقيل ثمانون سنة، وقيل أكثر، ومدة عمره على ما روى الطبراني ثلاث وتسعون سنة وقيل أكثر.
روى أن امرأته وكونها ماضر بنت ميشا بن يوسف عليه السلام أو رحمة بنت افراثيم بن يوسف إنما يتسنى على بعض الروايات السابقة في زمانه عليه السلام قالت له يوما: لو دعوت الله تعالى فقال: كم كانت مدة الرخاء فذكرت مدة كثيرة وفي بعض الروايات ثمانين سنة فقال عليه السلام: أتسحي من الله تعالى أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي.
وروى أن إبليس عليه اللعنة أتاها على هيئة عظيمة فقال لها: أنا إله الأرض فعلت بزوجك ما فعلت لأنه تركني وعبد إله السماء فلو سجد لي سجدة رددت عليه وعليك جميع ما أخذت منكما.
وفي رواية لو سجدت لي سجدة لرددت المال والولد وعافيت زوجك فرجعت إلى أيوب عليه السلام وكان ملقى في الَكِناسة ببيت المقدس لا يقرب منه أحد فأخبرته بالقصة فقال عليه السلام: لعلك افتتنت بقول اللعين لئن عافاني الله عز وجل لأضربنك مائة سوط وحرام على أن أذوق بعد هذا من طعامك وشرابك شيئًا فطردها فبقى طريحًا في الَكِناسة لا يحوم حوله أحد من الناس فعند ذلك خر ساجدًّا فقال: {رَبّ إِنّى مَسَّنِىَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} وأخرج ابن عساكر عن الحسن أنه عليه السلام قال ذلك حين مر به رجلان فقال أحدهما لصاحبه: لو كان لله تعالى في هذا حاجة ما بلغ به هذا كله فسمع عليه السلام فشق عليه فقال: {رَبّ} الخ، وروى أنس مرفوعًا أنه عليه السلام نهض مرة ليصلي فلم يقدر على النهوض فقال: {رَبّ} الخ وقيل غير ذلك ولعل هذا الأخير أمثال الأقوال، وكان عليه السلام بلاؤه في بدنه في غاية الشدة، فقد أخرج ابن جرير عن وهب بن منبه قال، كان يخرج في بنده مثل ثدي النساء ثم يتفقأ، وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أنه قال: ما كان بقى من أيوب عليه السلام إلا عيناه وقلبه ولسانه فكانت الدواب تختلف في جسده، وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عنه أن الدودة لتقع من جسد أيوب عليه السلام فيعيدها إلى مكانها ويقول: كلي من رزق الله تعالى، وما أصاب منه إبليس في مرضه كما أخرج البيهقي في الشعب إلا الأنين، وسبب ابتلائه على ما أخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه استعان به مسكين على درء ظلم عنه فلم يعنه.
وأخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولاني في ذلك أن الشام أجدب فكتب فرعون إليه عليه السلام أن هلم إلينا فإن لك عندنا سعة فأقبل بما عنده فأقطعه أرضًا فاتفق أن دخل شعيب على فرعون وأيوب عليه السلام عنده فقال: أما تخاف أن يغضب الله تعالى غضبة فيغضب لغضبه أهل السموات والأرض والجبال والبحار فسكت أيوب فلما خرجا من عنده أوحى الله تعالى إلى أيوب أو سكت عن فرعون لذهابك إلى أرضه استعد للبلاء قال: فديني قاله سبحانه: أسلمه لك قال: لا أبالي، والله تعالى أعلم بصحة هذه الأخبار، ثم إنه عليه السلام لما سجد فقال ذلك قيل له: ارفع رأسك فقد استجيب لك اركض برجلك فركض فنبعت من تحته عين ماء فاغتسل منها فلم يبق في ظاهر بدنه دابة إلا سقطت ولا جراحة إلى برئت ثم ركض مرة أخرى فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج وعاد صحيحًا ورجع إليه شبابه وجماله وذلك {فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ} ثم كسى حلة وجلس على مكان مشرف ولم تعلم امرأته بذلك فأدركتها الرقة عليه فقالت في نفسها: هب إنه طردني أفأتركه حتى يموت جوعًا وتأكله السباع لأرجعن فلما رجعت ما رأت تلك الَكِناسة ولا تلك الحال فجعلت تطوف حيث الَكِناسة وتبكي وهابت صاحب الحلة أن تأتيه وتسأله فدعاها أيوب عليه السلام فقال: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت: أريد ذلك المبتلي الذي كان ملقى على الَكِناسة قال لها: ما كان منك؟ فبكت وقالت: بعلي قال: أتعرفينه إذا رأيتيه؟ قالت: وهل يخفى على فتبسم فقال: أنا ذرك فعرفته بضحكة فأعتنقته {وءاتيناه أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} الظاهر أنه عطف على {كَشَفْنَا} فيلزم أن يكون داخلًا معه في حيز تفصيل استجابة الدعاء، وفيه خفاء لعدم ظهور كون الإتيان المذكور مدعوًا به وإذا عطف على {استجبنا} لا يلزم ذلك، وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن هذه الآية.
أخرج ابن مردويه وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {والكتاب وَءاتَيْنَاهُ} الخ قال: رد الله تعالى امرأته إليه وزاد في شبابها حتى ولدت له ستًا وعشرين ذكرًا» فالمعنى على هذا آتيناه في الدنيا مثل أهله عددًا مع زيادة مثل آخر.
وقال ابن مسعود والحسن وقتادة في الآية: إن الله تعالى أحيى له أولاده الذين هلكوا في بلائه وأوتي مثلهم في الدنيا، والظاهر أن المثل من صلبه عليه السلام أيضًا، وقيل: كانوا نوافل؛ وجاء في خبر أنه عليه السلام كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله تعالى سحابتين فأفرغت إحداهما في أندر القمح الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض، وأخرج أحمد، والبخاري وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانًا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب عليه السلام يحثي في ثوبه فناداه ربه سبحانه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال: بلى وعزتك لَكِن لا غنى بي عن بركتك» وعاش عليه السلام بعد الخلاص من البلاء على ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سبعين سنة، ويظهر من هذا مع القول بأن عمره حين أصابه البلاء سبعون أن مدة عمره فوق ثلاثين وتسعين بكثير، ولما مات عليه السلام أوصى إلى ابنه حرمل كما روى عن وهب، والآية ظاهرة في أن الأهل ليس المرأة {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وذكرى للعابدين} أي وآتيناه ما ذكر لرحمتنا أيوب عليه السلام وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب، فرحمة نصب على أنه مفعول له و{للعابدين} متعلق بـ ذكري، وجوز أن يكون {رَحْمَةً وذكرى} تنازعًا فيه على معنى وآتيناه العابدين الذين من جملتهم أيوب عليه السلام وذكرنا إياهم بالإحسان وعدم نسياننا لهم.
وجوز أبو البقاء نصب {رَحْمَةً} على المصدر وهو كما ترى.
{وإسماعيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل} أي واذكرهم؛ وظاهر نظم ذي الكفل في سلك الأنبياء عليهم السلام أنه منهم وهو الذي ذهب إليه الأكثر، واختلف في اسمه فقيل بشر وو ابن أيوب عليه السلام بعثه الله تعالى نبيًّا بعد أبيه وسماه ذا الكفل وأمره سبحانه بالدعاء إلى توحيده، وكان مقيمًا بالشام عمره ومات وهو ابن خمس وسبعين سنة وأوصى إلى ابنه عبدان وأخرج ذلك الحاكم عن وهب، وقيل: هو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هرون أخي موسى بن عمران عليهم السلام، وصنيع بعضهم يشعر باختياره، وقيل يوشف بن نون، وقيل: اسمه ذو الكفل، وقيل هو زكريا حكى كل ذلك الكرماني في العجائب، وقيل هو اليسع بن أخطوب بن العجوز، وزعمت اليهود أنه حزقيال وجاءته النبوة وهو في وسط سبي بختنصر على نهر خوبار.
وقال أبو موسى الأشعري ومجاهد: لم يكن نبيًّا وكان عبدًا صالحًا استخحلفه على ما أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد اليسع عليه السلام بشرط أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ففعل ولم يذكر مجاهد ما اسمه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: كان قاضيًا في بني إسرائيل فحضره الموت فقال: من قوم مقامي على أن لا يغضب؟ فقال رجل: أنا يسمى ذا الكفل الخبر، وأخرج عن ابن حجيرة الأكبر كان ملك من ملوك بني إسرائيل فحضرته الوفاة فأتاه رؤس بني إسرائيل فقالوا: استخلف علينا ملكًا نفزع إليه فقال: من تكفل لي بثلاث فأوليه ملكي؟ فلم يتكلم إلا فتى من القوم قال: أنا فقال: اجلس ثم قالها ثانية فلم يتكلم أحد إلا الفتى فقال: تكفل لي بثلاث وأليك ملكي تقوم الليل فلا ترقد وتصوم فلا تفطر وتحكم فلا تغضب قال: نعم قال: قد وليتك ملكي الخبر، وفيه وكذا في الخبر السابق قصة إرادة إبليس عليه اللعنة إغضابه وحفظ الله تعالى إياه منه، والكفل الكفالة والحظ والضعف، وإطلاق ذلك عليه إن لم يكن اسمه إما لأنه تكفل بأمر فوفى به، وإما لأنه كان له ذا حظ من الله تعالى، وقيل لأنه كان له ضعف عمل الأنبياء عليهم السلام في زمانه وضعف ثوابهم.
ومن قال إنه زكريا عليه السلام قال: إن إطلاق ذلك عليه لكفالته مريم وهو داخل في الوجه الأول، وفي البحر وقيل: في تسميته ذا الكفر أقوال مضطربة لا تصح والله تعالى أعلم.
{كُلٌّ} أي كل واحد من هؤلاء {مّنَ الصابرين} أي على مشاق التكاليف وشدائد النوب ويعلم هذا من ذكر هؤلاء بعد أيوب عليهم السلام، والجملة استئناف وقع جوابًا عن سؤال نشأ من الأمر بذكرهم.
{وأدخلناهم في رَحْمَتِنا}.
الكلام فيه على طرز
صفحة البداية الفهرس << السابق 14475  من  23844 التالى >> إخفاء التشكيل